• أزمة الديون الأوروبية تؤثر في صادرات الخليج وترفع مخاطر التصدير

    20/06/2010

    في تقرير لمجلس الغرف السعودية تنشره "الاقتصادية" : (2 من 2)أزمة الديون الأوروبية تؤثر في صادرات الخليج وترفع مخاطر التصدير





     
     

    توقع مجلس الغرف السعودية أن تنعكس أزمة الديون السيادية الأوروبية على اقتصادات السعودية ودول الخليج، لكنه قال إن ذلك سيكون بنسب متفاوتة. وتطرق التقرير، الذي تنشر «الاقتصادية» جزءه الثاني اليوم، إلى تأثير التجارة الخارجية مع التكتل الأوروبي، خاصة من حيث تراجع الإنفاق العام في هذه الدول وتراجع حجم النشاط، ومن ثم تراجع السلع والخدمات من دول الخليج.
    ورشح التقرير تراجع صادرات دول المجلس إلى أوروبا، وارتفاع مخاطر التصدير إليها بسبب عدم استقرار صرف اليورو مقابل بقية العملات، وخاصة الدولار. لكن التقرير لم يخف فوائد هذه الأزمة بالنسبة لدول الخليج، من بينها تراجع السلع الأوروبية وتأثير ذلك في التضخم خلال الفترة المقبلة.
    وتطرق التقرير إلى ست فوائد ودروس يمكن أن تعيها دول الخليج من هذه الأزمة، من بينها قضايا الاقتراض الحكومي، سداد الديون، ضرورة الابتعاد عن التجميل أو التلفيق في المؤشرات الاقتصادية، خاصة إذا أرادت هذه الدول التكتل في عملة واحدة، وأن الانضمام لأي تكتل لا يعني اعتباره وثيقة تأمين للاستقرار والنمو أو ضد الفقر.
     
    في مايلي مزيد من التفاصيل:
     
    توقع مجلس الغرف السعودية أن تنعكس أزمة الديون السيادية الأوروبية على اقتصادات السعودية ودول الخليج، لكنه قال إن ذلك سيكون بنسب متفاوتة. وحصر التقرير الذي تنشر «الاقتصادية» جزءه الثاني اليوم في التأثر في التجارة الخارجية مع التكتل الأوروبي خاصة من حيث تراجع الإنفاق العام في هذه الدول وتراجع حجم النشاط، ومن ثم تراجع السلع والخدمات من دول الخليج.
    ورشح التقرير تراجع صادرات دول المجلس إلى أوروبا, كما سترتفع مخاطر التصدير إليها بسبب عدم استقرار صرف اليورو مقابل بقية العملات وخاصة الدولار. لكن التقرير لم يخف فوائد في هذه الأزمة بالنسبة لدول الخليج من بينها تراجع السلع الأوروبية وتأثير ذلك في التضخم خلال الفترة المقبلة.
    وتطرق التقرير إلى ست فوائد ودروس يمكن أن تعيها دول الخليج من هذه الأزمة من بينها قضايا الاقتراض الحكومي، سداد الديون، ضرورة الابتعاد عن التجميل أو التلفيق في المؤشرات الاقتصادية خاصة إذا أرادت هذه الدول التكتل في عملة واحدة، وأن الانضمام لأي تكتل لا يعني اعتباره وثيقة تأمين للاستقرار والنمو أو ضد الفقر.
     
     
     
    رابعاً: برنامج إنقاذ اليونان واليورو .. سيناريوهات النجاح والفشل
     
    كان لا بد من تكاتف جهود دول الاتحاد الأوروبي والتعاون مع صندوق النقد الدولي لإنقاذ اليونان وتعويمها في مواجهة هذه الأزمة تجنباً لإعلان إفلاسها وما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات خطيرة على الاقتصاد الأوروبي والاقتصاد العالمي، وتوسع برنامج الإنقاذ ليصبح برنامج إنقاذ لمنطقة اليورو ككل، وتضمن هذا البرنامج خطة للإنقاذ بتكلفة نحو 750 مليار يورو، تشمل آلية لتحقيق الاستقرار المالي ومحاربة المضاربة على العملات، وأسهمت المفوضية الأوروبية بمبلغ 60 مليار يورو، ودول الاتحاد بمبلغ 440 مليار يورو حسب نسب مساهمتها في البنك المركزي الأوروبي، و250 مليار يورو من صندوق النقد الدولي.
    وتضمن برنامج الإنقاذ حصول اليونان على مبلغ 140 مليار يورو كمساعدة مالية على مدار ثلاث سنوات، وذلك حتى تتمكن من تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي يهدف إلى تقليص العجز في الموازنة ليصل إلى 3 في المائة خلال ثلاث سنوات مقابل 14 في المائة حالياً، وستقوم الحكومة اليونانية ضمن هذا البرنامج بتطبيق حزمة من السياسات الاقتصادية التقشفية التي تتضمن السياسات التالية:
    1 ــ وقف أي تعيينات جديدة للعمالة والموظفين في القطاع الحكومي.
    2 ــ تجميد الأجور لمدة ثلاث سنوات.
    3 ــ زيادة نسبة ضريبة القيمة المضافة من 21 في المائة إلى 23 في المائة.
    4 ــ تنفيذ اقتطاعات من الأجور والمعاشات ووقف صرف أية مكافآت على الرواتب.
    5 ــ رفع سن التقاعد من 62 سنة إلى 67 سنة.
    وبعد إقرار هذا البرنامج لإنقاذ الاقتصاد اليوناني من الإفلاس يبقى الدور على الحكومة اليونانية لتنفيذ هذا البرنامج والسيطرة على الإضرابات السياسية والعمالية الناجمة عن الرفض الشعبي في اليونان لهذا البرنامج، لكن ماذا لو فشلت اليونان في تنفيذ هذا البرنامج؟ في هذه الحالة سيكون إعلان الإفلاس من جانب اليونان أمرا حتميا، وفى حالة الوصول إلى هذا السيناريو المتشائم ـ لا قدر الله ـ ستكون هناك تداعيات اقتصادية خطيرة على الاقتصاد العالمي ربما تطول جميع دول العالم، وستكون أهم الملامح لهذه التداعيات ما يلي:
    1 ــ تراجع حجم التجارة العالمية وانخفاض التمويل المتاح لها, ما سيؤثر في صادرات جميع دول العالم، ويؤثر في معدلات النمو الاقتصادي.
    2 ــ زيادة صعوبة حصول الحكومات والقطاع الخاص على التمويل من الأسواق الدولية والأسواق المحلية، وارتفاع أسعار الفائدة وزيادة تحفظ المصارف في تقديم هذا التمويل لجميع الأنشطة الاقتصادية.
    3 ـ انتشار سياسات التقشف الاقتصادي في معظم دول العالم, خاصة التي لديها معدلات ديون مرتفعة، وهو ما يعني تراجع الإنفاق العام, وتراجع حجم النشاط الاقتصادي العالمي، وتراجع حجم الطلب على جميع السلع والخدمات.
    4 ـ تراجع الطلب على النفط ومن ثم انخفاض أسعاره، وهو ما قد يؤدي إلى انعكاسات سلبية على الدول المصدرة للنفط مثل دول مجلس التعاون الخليجي، مثل تراجع الإيرادات النفطية، وزيادة العجز في الموازنات العامة، وتقليل الإنفاق العام، وتراجع معدلات النمو وحجم النشاط الاقتصادي.
    5 ـ زيادة الاضطرابات في أسواق النقد العالمية وزيادة عدم الثقة باليورو وزيادة تراجعه أمام الدولار، ما سيحمل مخاطر على التجارة العالمية وعلى الاحتياطيات السيادية لدول العالم من اليورو، وزيادة الطلب على الذهب وارتفاع أسعاره، وربما يزيد هذا الأمر تفاقماً لو امتدت الأزمة إلى دول أخرى مثل إسبانيا والبرتغال وإيطاليا، وربما يؤدي ذلك إلى انفراط الاتحاد النقدي الأوروبي، واختفاء اليورو, وهو ما قد يشكل صدمة كبيرة للاقتصاد العالمي.
    ورغم خطورة مثل هذه التداعيات المحتملة إلا أن توقع اتجاه الأزمة اليونانية إلى مثل هذه السيناريوهات الخطيرة أمر مستبعد، وذلك لأن دول الاتحاد الأوروبي لن تسمح بذلك لإدراكها التام خطورة الانزلاق إلى هذه المراحل الخطيرة من الأزمة، ولذلك فإنها ستضع كل إمكاناتها لمنع الوصول إلى هذه المراحل بالتعاون مع صندوق النقد الدولي, إضافة إلى أن دول الاتحاد الأوروبي والصندوق أصبحت لديها خبرة كبيرة في التعامل مع الأزمات الناجمة عن الاختلال المالي.
     
    خامساً: آثار الأزمة في الاقتصاد السعودي وفي دول مجلس التعاون الخليجي
    ترجح أغلبية التحليلات والتوقعات أن تأثير أزمة الديون السيادية في اليونان ومنطقة اليورو في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ستكون محدودة جداً أو ربما منعدمة من ناحية تأثيرها في القطاعات المالية والمصرفية، وذلك بغض النظر عن الهزة المحدودة التي تعرضت لها أسواق هذه الدول في أوائل أيار (مايو) مع بداية اندلاع الأزمة، ويرجع ذلك في الأساس إلى أن البنوك السعودية والخليجية غير متورطة في هذه الديون.
    ومع ذلك هناك آثار اقتصادية لهذه الأزمة ستلحق بعض الأضرار باقتصادات دول مجلس التعاون بنسب متفاوتة, ومنها اقتصاد المملكة، فلا شك أن التجارة الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي ستتأثر بهذه الأزمة من حيث حجمها والمخاطر المرتبطة بها، وسيكون هذا التأثر من ناحيتين الأولى تراجع الإنفاق العام وتراجع حجم النشاط، ومن ثم تراجع الطلب على السلع والخدمات من خارج دول الاتحاد، ومن ثم تراجع الطلب على السلع المستوردة من دول مجلس التعاون الخليجي ومنها المملكة. وهذا يعني أن هناك تراجعا سيحدث في صادرات دول مجلس التعاون الخليجي ومنها صادرات المملكة لدول الاتحاد الأوروبي عامة ولليونان بشكل خاص خلال الفترة المقبلة. كما ستزيد مخاطر التصدير والاستيراد التي يواجهها المصدرون والمستوردون السعوديون والخليجيون للاتحاد الأوروبي بسبب عدم استقرار سعر صرف اليورو مقابل العملات الدولية الرئيسة, خاصة الدولار، وهو ما يعني تذبذب حصيلة الصادرات وتذبذب فاتورة الواردات لدول مجلس التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي خلال الفترة المقبلة.
    ورغم المخاطر المرتبطة بتراجع قيمة اليورو، فإن ضعف اليورو يحمل في طياته أثراً إيجابياً يتمثل في تراجع أسعار السلع المستوردة من الاتحاد الأوروبي، ومن ثم تراجع نسبة التضخم المستورد في الاقتصاد السعودي واقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة المقبلة.
    لكن يبقى الأثر الأكبر في اقتصاد المملكة واقتصادات دول مجلس التعاون, الذي ظهرت بوادره واضحة خلال الأيام الأخيرة ـ خاصة مع توقع أن تؤدي الأزمة إلى تراجع النشاط والنمو الاقتصادي في الاقتصادات الأوروبية والاقتصاد العالمي بسبب سياسات التقشف المالي ــ هو تأثر دول المجلس ومن بينها المملكة بتراجع أسعار النفط، حيث أدت الأزمة ـ كما سبق الإشارة ـ إلى تراجع سعر برميل النفط لما دون 70 دولارا في 20 أيار (مايو) 2010 بعد أن استقر لفترة فوق 80 دولارا، مع سيادة حالة من عدم اليقين حول اتجاه أسعار النفط خلال الفترة المقبلة، ومن ثم يبقى هذا هو الخطر الأبرز المرتبط بأزمة الديون الأوروبية، الذي سيتوقف حجمه وخطورته على السيناريوهات والتطورات المستقبلية للأزمة, والتي يصعب التكهن بها حالياً.
    وإضافة إلى ما سبق هناك ضرورة للإشارة إلى أثر في غاية الأهمية لهذه الأزمة يجب أن تتعامل معه دول مجلس التعاون بجدية من الآن، وهو أن العملة الخليجية الموحدة ستصبح من الآن فصاعداً محل جدل ومحل تشكيك في نجاحها نتيجة للأزمة التي تمر بها منطقة اليورو، خاصة أن مشروع وبرامج العملة الخليجية الموحدة تم تصميمها على غرار تجربة اليورو في المقام الأول.
    ومع ذلك يجب الاستدراك هنا بالقول إن منطقتي اليورو والعملة الخليجية الموحدة ظروفهما مختلفة، خاصة ما يتعلق بمحدودية التباين بين اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي إذا ما قورنت بحالة دول اليورو. فمن المؤكد أن هناك اختلافات هيكلية بين الاقتصادات الخليجية، لكنها ليست بحجم الاختلافات الموجودة بين اقتصادي إيطاليا وأيرلندا على سبيل المثال. ناهيك عن أن العملة الخليجية الموحدة ستمثل اقتصادات تعتمد على عائدات نفطية شبه مستمرة وشبه مضمونة حتى لو كانت متذبذبة، وهو عامل ربما يكون مساعدا لدول مجلس التعاون على مواجهة أي أزمة مستقبلية مماثلة للأزمة التي تمر بها منطقة اليورو.
     
    سادساً: الدروس المستفادة لدول مجلس التعاون الخليجي من أزمة الديون اليونانية
    لا شك أن أزمة الديون السيادية في دول الاتحاد الأوروبي وما نتج عنها من تداعيات على منطقة اليورو تحمل عديدا من الدروس المستفادة، وترسل عديدا من الرسائل التوعوية للدول وللتكتلات الاقتصادية في العالم، ويمكن تلخيص الدروس المستفادة للمملكة ولدول مجلس التعاون الخليجي من هذه الأزمة على النحو التالي:
     
    أ ـ الدروس المستفادة على مستوى الاقتصادات الوطنية
    إن بعض الدروس والرسائل التوعوية التي أفرزتها هذه الأزمة تمثل تذكيرا لراسمي السياسات في كل دولة من دول مجلس التعاون ومنها المملكة، ومن أهمها ما يلي:
    1 ــ إن الحكومات ربما تضطر إلى الاقتراض من السوقين المحلية والدولية لتمويل خطط الاستثمار والتنمية ولتمويل الإنفاق العام الذي يعد ركيزة أساسية للنمو. لكن في المقابل يحتاج ضبط الأداء المالي للحكومة إلى تشجيع المواطنين على الادخار بنسب كبيرة للحد من الخلل في الميزانية العامة، وكي تعتمد الحكومة على القروض الداخلية وتبتعد عن وضع الاقتصاد الوطني تحت رحمة دول أو مؤسسات مالية أجنبية عند اقتراضها من الخارج.
    2 ــ إن الاقتراض الحكومي من الداخل والخارج سيشكل خطورة على الاستقرار الاقتصادي الوطني طالما كان هذا الاقتراض يفوق إمكانات الدولة على السداد، وذلك حتى لو كانت هذه الدولة تحت مظلة تكتل اقتصادي قوي.
    3 ــ إن رغبة أي دولة في الانضمام إلى تكتل اقتصادي يسعى إلى عملة موحدة أو لديه عملة موحدة يتطلب من هذه الدولة أن تدرك حقيقة المطلوب منها من مؤشرات للأداء الاقتصادي، وألا تلجأ لتجميل (أو تلفيق) هذه المؤشرات من أجل الانضمام إلى هذه الوحدة النقدية، وذلك لأن التجربة أثبتت أن مؤشرات الاقتصاد الحقيقي لا بد أن تنكشف عاجلاً أو آجلاً، الأمر الذي سيؤدي بالمتلاعبين بالإحصائيات والأرقام إلى دفع الثمن غالياً.
    4 ــ إن انضمام أي دولة إلى تكتل اقتصادي قوى لا يعني اعتبار ذلك وثيقة تأمين لاستقرارها ونموها الاقتصادي، أو وثيقة تأمين ضد فقر شعبها، ومن ثم يجب على الحكومات مواصلة العمل بجد لتحسين الأداء الاقتصادي الوطني ومحاربة الفقر وتحسين جودة الحياة لمواطنيها حتى بعد الانضواء تحت لواء تكتل اقتصادي.
    5 ــ إن الدول التي تسعى إلى مسايرة متطلبات العولمة الاقتصادية على صعيد علاقاتها مع العالم الخارجي، وترسيخ قواعد الديمقراطية على الصعيد الداخلي، وتقوية الدولة وسلطاتها على الصعيدين السابقين، سيكون من الصعب عليها الجمع بين الأهداف الثلاثة معاً، حيث يمكنها الجمع بين اثنين منهما فقط، وذلك لأن الديمقراطية والسيادة الوطنية تتطلبان تقييد العولمة وكبح جماحها، كما أن التوافق مع العولمة والحفاظ على سيادة الدولة الوطنية يتطلب تضييق مساحة الديمقراطية، في المقابل فإن التوافق مع العولمة وتوسيع مساحة الديمقراطية يتطلب تراجع سلطة الدولة الوطنية، ومن ثم فإن على الدول الاختيار بين تباديل وتوافيق هذه الأهداف الثلاثة وفقاً لظروفها وخصوصياتها.
    6 ــ إن الدول التي تسعى إلى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة يجب أن تركز بجانب اهتمامها بمناخ وإجراءات وسهولة ممارسة الأعمال على أمور أخرى متعلقة بأداء الاقتصاد الكلى، وذلك لأن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في ضوء الأزمة اليونانية لم تعد تفرق بين بلد متقدم وبلد نام، ولم تعد مؤشرات بيئة ممارسة الأعمال العامل الحاسم في اتخاذ قرار الاستثمار، لكن المستثمرين أصبحوا يتخذون قراراتهم الاستثمارية بعد النظر إلى مؤشرات الديون العامة ومؤشرات الأداء المالي للدولة في المقام الأول.
     
    ب ـ الدروس المستفادة على مستوى تكتل دول مجلس التعاون الخليجي
    هناك مجموعة من الحقائق والدروس المهمة كشفت عنها أو أكدتها أزمة الديون اليونانية وتداعياتها على الاتحاد الأوروبي كتكتل اقتصادي، ومن أهم هذه الحقائق والدروس التي يمكن أن يستفيد منها تكتل دول مجلس التعاون الخليجي ما يلي:
    1 ــ إن تقليل التباين في الأداء الاقتصادي بين الدول الأعضاء في أي تكتل اقتصادي شرط أساسي لنجاح واستقرار واستمرار هذا التكتل، وتكمن الخطورة هنا في أن التباين بين الأداء الاقتصادي للدول الأعضاء يكون من السهل التعامل معه إذا كان راجعا لأسباب اقتصادية بحتة، لكنه إذا كان يرجع إلى عوامل سياسية واقتصادية وأخلاقية وثقافية يكون من الصعب التعامل معه، ويكون من الصعب اقتناع الدول الأعضاء التي تتسم شعوبها بالجد في العمل وبارتفاع الإنتاجية بدعم ومساندة الدول الأعضاء التي لا تعمل شعوبها بجدية ومنخفضة الإنتاجية وتعتمد في كثير من معيشتها على ممارسات تتنافى مع قواعد العمل والأخلاق العامة.
    2 ــ ضرورة ضمان الاستقرار الاقتصادي لجميع الدول الأعضاء في التكتل وسرعة مواجهة أي هزات ربما تضعف اقتصاد أي دولة عضو، وذلك لأن التكتل الاقتصادي الذي يضم اقتصادات قوية وأخرى ضعيفة سيكون تكتلا هشا وعرضة لانتشار العدوى بين أعضائه ومن ثم انفراط عقده في نهاية الأمر.
    3 ــ إن الأمانة العامة أو المفوضية العامة أو البنك المركزي للتكتل الاقتصادي يجب أن تتسم بالشفافية التامة، وألا تلجأ إلى التستر على أو التهاون بشأن الحسابات والمؤشرات الاقتصادية غير الحقيقية للدول الأعضاء، وذلك لأن التكتل بالكامل سيدفع ثمن هذا التستر أو التهاون في النهاية، لأنه لا يمكن إخفاء هذه الحقائق إلى ما لانهاية.
    4 ــ إن مشاركة الدول في تكتل اقتصادي له أهداف طموحة تصل إلى تحقيق الوحدة النقدية بين الدول الأعضاء لا تعني الانخراط في برامج المساعدات من أجل إنقاذ اقتصادات الدول الأعضاء التي تتسم شعوبها بالكسل وضعف الإنتاجية، وأن محاولات الحكومات لإقناع شعوبها بضرورة مساعدة الأعضاء الآخرين في التكتل الذين تواجه اقتصاداتها متاعب سيكون مصيرها الفشل، خاصة من الشعوب الأكثر إنتاجية والأعلى دخلاً بين شعوب هذا التكتل. ومن ثم يصبح إصلاح أسواق العمل، وتحقيق التقارب في مستويات الإنتاجية بين الدول الأعضاء في أي تكتل اقتصادي مطلبا ضروريا لنجاح التكتل، ومطلبا سابقا لمطلب تحقيق التقارب في الأجور والمزايا التي يحصل عليها العمال بالدول الأعضاء.
    5 ــ إن مرور أي تكتل اقتصادي بأزمة اقتصادية نتيجة مشكلات مالية أو نقدية في اقتصاد أحد الأعضاء يجب ألا يعالج بمنطق عدم مساعدة العضو المخطئ ولا يجب الوقوف طويلاً أمام توجيه اللوم إلى هذا العضو على سوء إدارته الاقتصادية، وذلك لأن التعامل مع المشكلة من هذا المنطلق يعني انتشار العدوى إلى اقتصادات بقية الدول الأعضاء بسبب ترابط المصالح, أي أنه ربما يعني الفوضى العامة، وهنا يفضل مسارعة الجميع إلى احتواء الأزمة قبل خروجها عن السيطرة.
    6 ــ إن عدم تحرك الدول الأعضاء في التكتل الاقتصادي لمواجهة المشكلات الاقتصادية التي تواجهها إحدى الدول الأعضاء يعني تفاقم المشكلة وتسلل صندوق النقد الدولي وتدخله في إدارة الشؤون الاقتصادية لهذا التكتل، وهو ما يترتب عليه تراجع سيادة واستقلالية التكتل في إدارة سياساته المالية والنقدية.
    7 ــ يمثل الإسراف المالي في أي تكتل اقتصادي له عملة موحدة تهديدا خطيرا لنجاح هذه العملة واستقرارها، ومن ثم لا بد من منع هذا الإسراف من خلال ضبط نسبة الديون ونسبة عجز الموازنة في الدول الأعضاء، ولا بد من أن يكون لدى التكتل استعدادات وآليات مسبقة لمواجهة حدوث فشل في تحقيق هذا الانضباط، وأن تكون هناك آليات للضغط على حكومات الدول الأعضاء التي لا تلتزم في أدائها الاقتصادي بالمعايير المتفق عليها، حتى تعدل من أدائها لتجنب المشكلات الناجمة عن الإسراف المالي.
    8 ــ إن نجاح واستقرار أي تكتل اقتصادي يتطلب من القيادات السياسية للدول الأعضاء التوفيق بين ما يتطلبه تحقيق الاندماج الاقتصادي بين الأعضاء من تنازلات ونقل جزء من السلطات السيادية للدول الأعضاء لمصلحة السلطة فوق القومية للتكتل وبين دور كل واحد من هؤلاء السياسيين في تحقيق المصالح الوطنية لدولته.
    9 ــ في ظل أن تعثر إحدى الدول الأعضاء في التكتل الاقتصادي عن سداد ديونها السيادية أمر وارد أصبح من المهم أن يكون ضمن الإطار المؤسسي لأي تكتل اقتصادي لديه عملة موحدة مؤسسة أو صندوق مختص بالتدخل لإنقاذ هذه الدولة وإعادة الاستقرار المالي للتكتل وللعملة الموحدة وعدم ترك قرار التدخل من عدمه في يد الدول الأعضاء، ولمنع الاختلافات بين الدول الأعضاء في هذا الشأن.
    10 ــ إن تحقيق الاستقرار والنجاح لأي تكتل اقتصادي له عملة موحدة لا يتم فقط من خلال سياسة نقدية موحدة يرسمها البنك المركزي لهذا التكتل في ظل ترك السياسة المالية في يد السلطات الوطنية للدول الأعضاء، لكن الأمر يتطلب التنسيق بين الدول الأعضاء في مجال السياسة المالية تحت إشراف البنك المركزي للتكتل، وذلك لتجنب الاختلال المالي في منطقة العملة الموحدة.
    وفي ضوء كل ما سبق فإن دول مجلس التعاون الخليجي معنية بالاستفادة من الدروس التي أفرزتها أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو، ومطالبة بسرعة تحقيق التقارب الاقتصادي بينها، وتأكيد التزامها بمعايير وشروط الانضمام إلى العملة الموحدة التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى، لأنها المعايير الكفيلة بتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي في منطقة العملة الخليجية الموحدة. كما أن الظروف الراهنة تتطلب سرعة تغلب دول مجلس التعاون الخليجي على أي اختلافات في وجهات النظر بشأن مستقبل تكتلهم الاقتصادي مهما كانت اختلافات بسيطة، وذلك لأن هذه الاختلافات في وجهات النظر تجعل التكتل الخليجي مهددا باستمرار بخطر عودة الدول الأعضاء إلى تعميق سيادتها والتركيز على مصالحها الوطنية فقط، وتراجع تحمسها لخطط وبرامج التكامل الاقتصادي الخليجي.

حقوق التأليف والنشر © غرفة الشرقية